لو قرأ ديكتاتورو العالم رواية السيد الرئيس لاستورياس, ما كانوا فعلوا في شعوبهم ما فعلوا خلال حكمهم الذي عادة ما ينتهي بانقلابات وثورات وإعدامات. لو قرأ حسني مبارك الذي ظل يحكم مصر علي مدي ثلاثين عاما

هذه الرواية ما كان له أن يصير ديكتاتورا جديدا يضاف إلي زمرة الديكتاتوريين في العالم.
ورغم أنها رواية شهيرة, وكاتبها أشهر, ونال عنها جائزة نوبل في الآداب, منذ سنوات بعيدة فإن مبارك وكل الرؤساء العرب الذين سيتساقطون في الأسابيع والأشهر والسنوات المقبلة لم يقرءوها لأنهم ــ ببساطة ــ لا يحبون القراءة مثل مستشاريهم الذين يتمتعنون بجهل عظيم.
خبايا وممارسات الأنظمة الدكتاتورية في العالم الثالث, مثلت موضوعا لرواية صدرت مؤخرا في القاهرة عن مؤسسة اروقة للداراسات والترجمة بعنوان 'السيد الرئيس' لاستورياس في ترجمة للتونسي جمال الجلاصي.
وتغوص هذه الرواية التي كتبها الدبلوماسي والكاتب الجواتيمالي ميجيل أنجل استورياس الحائز علي جائزة نوبل للآداب عام 1976, في الجانب النفسي للدكتاتور بشكل عام محللة الدوافع الاجتماعية والسياسية التي تجعل الحكام في العالم الثالث يتجاوزون مهامهم ليمارسوا عقدا نفسية علي الشعوب.
وتعد هذه الرواية المتعددة الجنسيات في نسختها العربية, باعتبارها جواتيمالية المصدر وتونسية الترجمة ومصرية النشر, من أهم الاعمال الأدبية التي غاصت في عالم الدكتاتورية في الحكم وتبعاتها علي المجتمعات, أهمية اكتسبتها من معايشة الكاتب استورياس لفترة حكم الديكتاتور استرادا كابريرا لجواتيمالا 'أمريكا اللاتينية' حيث كانت طفولته قاسية جعله يشارك في نضال شباب جامعته للقضاء علي حكمه .
وقد منعت رواية 'السيد الرئيس' سنة صدورها '1946' من التوزيع داخل جواتيمالا لمدة تتجاوز السنوات العشر.
ويذكر أن جمال الجلاصي الذي تولي ترجمة هذا العمل المهم هو شاعر وروائي ومترجم تونسي من مواليد مدينة قليبية '1968' درس العلوم القانونية وهو من مؤسسي نقابة كتاب تونس وعضو بالجمعية الدولية للمترجمين واللغوين العرب.صدرت له عديد المنشورات في الادب والشعر من بينها رواية 'الاوراق المالحة' و'الاقامات' و'اعشاب اللغة'.
و السيد الرئيس رواية شهيرة كتبها ميجل أنخل أستورياس عام 1946 وحصل بفضلها علي جائزة نوبل في الأدب عام 1967 وتعد علامة بارزة في أدب أمريكا اللاتينية, ومع ذلك فقد بقيت محجوبة عن الوطن العربي حتي عام 1985 ربما لتشابه ظروف الرواية مع أحوال معظم الدول العربية.
استمد أستورياس مادة روايته من سنوات حكم 'كابريرا' الذي حكم بلده جواتيمالا لعشرين سنة حكما دكتاتوريا غاشما. بيد أن الكاتب يعمد إلي الصور البلاغية الجديدة في تصوير شخصياته ويغلف روايته بستار شفاف من السخرية والواقعية السحرية وفولكلور السكان الأصليين للقارة مما جعل من هذه الرواية درة أعماله التي توجت بفوزه بجائزة نوبل للآداب عام 1967
كتبها باللغة الإسبانية لغة موطنه جواتيمالا عن حال البلد في ظل رئيس ديكتاتوري. هو مجنون مستبد طاغ شهواني, يقتل بالسهولة التي يتناول بها طعام فطوره ويصدر قراراته الدموية بالرقة والهمس الذين يخاطب بهما النساء ويستمع إلي الموسيقي. حول وطنه إلي جحيم ومرتع للصوص والقتلة المأجورين. معاونوه مسخ آدمية مشوهة, خربة, مرتشية. مواطنوه مقهورون مهانون مذلون يحلمون بالجمال والحق والخير والأرض والطير.
سجونه مليئة بشعراء ومثقفين ورجال دين رفضوا أن يصلوا له بدلا من الله. وفي محاكمه الصورية تغيب شعارات العدالة وترتفع شعارات أكثر قسوة وظلاما من ظلم الدنيا, ففي هذه المحاكم من الأفضل أن تكون مذنبا علي أن تكون بريئا ولا ترضي عنك الحكومة.
تعتبر هذه الرواية من أفضل الروايات, وسطورها تنبض صدقا وقسوة وعنفا, وخلف القسوة تختبئ حقول الحنطة وصياح الديك, وقطرات ندي في صباح جميل يشرق علي الوطن.
وأكثر ما يميز هذا الأدب هو الصدق الفني العالي الذي يجعل من العمل الفني عملا أقرب ما يكون إلي متلقيه, حيث يستطيع نقلنا من عالمنا إلي عالمه فنعيش معه رطوبة السجن وعفن الخبز والموت الحي الأبدي والانتظار في زنازين مغلقة لا تري فيها إلا وجه الموت المقبل وتحلق معه في عالمه وتجري لتحتضن الشمس وتعانق طين الأرض
No comments:
Post a Comment